فصل: أسماء المدينة المنوّرة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


المَدِينة المُنَوَّرة

التّعريف

1 - المدينة لغةً‏:‏ المصر الجامع‏,‏ على وزن فعيلة‏,‏ مأخوذة من مَدَن بالمكان أي‏:‏ أقام فيه‏,‏ وقيل‏:‏ مَفْعَلة لأنّها من دان‏,‏ والجمع‏:‏ مُدُن‏,‏ ومدائن‏.‏

وغلب إطلاق ‏"‏ المدينة ‏"‏ معرّفاً بأل لدى المسلمين على مدينة الرّسول صلى الله عليه وسلم‏,‏ ويكثر أن يقال‏:‏ ‏"‏ المدينة المنوّرة ‏"‏ إشارةً إلى أنّها منوّرة بأنوار ساكنها عليه أفضل الصّلاة والسّلام‏.‏

أسماء المدينة المنوّرة

2 - كانت المدينة تسمّى قبل الإسلام يثرب‏,‏ فسمّاها النّبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ المدينة ‏"‏ وقال‏:‏ «أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب وهي المدينة، تنفي النّاس كما ينفي الكير خبث الحديد»‏.‏

ونهى أن تسمّى يثرب‏,‏ فقد روي أنّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من سمّى المدينة يثرب فليستغفر اللّه‏,‏ هي طابة‏,‏ هي طابة»‏.‏

ومن أسماء المدينة المشهورة ‏"‏ طيبْة ‏"‏ بسكون الياء‏,‏ ويقال أيضاً‏:‏ ‏"‏ طيِّبة ‏"‏ مشدّدة الياء و ‏"‏ دار الهجرة ‏"‏ وغير ذلك من أسماءٍ‏,‏ قيل‏:‏ إنّها تبلغ الأربعين‏.‏

وتقع المدينة بين حرّتين‏:‏ إحداهما‏:‏ شرقيّ المدينة وهي حرّة واقمٍ‏,‏ والأخرى‏:‏ غربيّها وهي حرّة الوبرة‏.‏

والحرّة‏:‏ أرض مكتسية بحجارة سوداء بركانيّةٍ‏,‏ ويحيط بها من الشّمال جبل أحدٍ‏,‏ ومن الجنوب جبل عيرٍ‏.‏

وتبعد عن مكّة عشر مراحل‏,‏ ويحرم أهلها ومن مرّ بها من ذي الحليفة‏.‏

فضل المدينة

3 - المدينة مهاجر النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفيها مثواه صلى الله عليه وسلم ومنها انتشر الإسلام في العالم‏,‏ ولها فضائل كثيرة‏,‏ من أهمّها بإيجاز‏:‏

أ - مضاعفة البركة فيها فعن أنسٍ رضي الله عنه قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اللّهمّ اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما بمكّة من البركة»‏.‏

ب - تفضيل الإقامة فيها على غيرها فعن سفيان بن أبي زهيرٍ رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «تُفتح اليمن‏,‏ فيأتي قوم يَبُسّون فيتحمّلون بأهليهم ومن أطاعهم‏,‏ والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون‏,‏ وتُفتح الشّام فيأتي قوم يَبُسّون فيتحمّلون بأهليهم ومن أطاعهم‏,‏ والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتُفتح العراق فيأتي قوم يَبُسّون‏,‏ فيتحمّلون بأهليهم ومن أطاعهم‏,‏ والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون»‏.‏

ج - تغليظ ذنب من يكيد أهلها‏:‏ فعن سعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أراد أهل المدينة بسوء أذابه اللّه كما يذوب الملح في الماء»‏.‏

د - حمايتها من دخول الدّجّال والطّاعون‏:‏ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «على أنقاب المدينة ملائكة‏,‏ لا يدخلها الطّاعون ولا الدّجّال»‏.‏ هـ - إنّها مجمع الإيمان فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحيّة إلى جحرها»‏.‏

ويأرز أي‏:‏ ينضم ويجتمع بعضه إلى بعضٍ فيها‏.‏

حرم المدينة

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المدينة حرم مثل مكّة‏,‏ فيحرم صيدها ولا يقطع شجرها إلا ما استنبت للقطع‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ المدينة ليس لها حرم‏,‏ فلا يمنع أحد من أخذ صيدها وشجرها‏,‏ ولكلّ من الفريقين أدلّته‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏حرم ف28‏)‏‏.‏

5 - وقد فرّع الشّافعيّة والحنابلة على إثبات صفة الحرم للمدينة أنّه يكره نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البقاع‏,‏ وقالوا‏:‏ إنّ الأولى أن لا يدخل تراب الحلّ وأحجاره الحرم‏,‏ وعلّة ذلك أنّ المدينة لمّا جعلها اللّه حرماً آمناً حرم بذلك كل شيءٍ ثابت مستقر فيها‏,‏ وأمّا أنّ الأولى عدم إدخال تراب الحلّ وأحجاره فلئلا تحدث لها حرمة لم تكن‏.‏

وهذا إذا لم تمسّ الحاجة إلى إدخالها إلى الحرم‏,‏ لمثل بناءٍ أو غيره‏.‏

المفاضلة بين مكّة والمدينة

6 - ذهب الجمهور إلى تفضيل مكّة على المدينة وتفضيل المسجد الحرام على المسجد النّبويّ‏.‏

وذهب الإمام مالك إلى تفضيل المدينة المنوّرة على مكّة المكرّمة‏,‏ وتفضيل المسجد النّبويّ على المسجد الحرام وهو قول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه‏.‏

وقد استدلّ الجمهور على تفضيل مكّة وحرمها بأدلّة منها‏:‏

ما ورد عن عبد اللّه بن عديّ بن حمراء رضي الله عنه قال‏:‏ «رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم واقفاً على الحزورة فقال‏:‏ واللّه إنّك لخير أرض اللّه وأحب أرض اللّه إلى اللّه‏,‏ ولولا أنّي أُخرِجتُ منك ما خرجت»‏.‏

وعن عبد اللّه بن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمكّة‏:‏ «ما أطيبك من بلدٍ وأحبّك إليّ‏,‏ ولولا أنّ قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك»‏.‏

فهذان الحديثان يدلان على تفضيل مكّة على سائر البلدان ومنها المدينة‏.‏

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام»‏.‏

وفي حديث عبد اللّه بن الزبير رضي الله عنهما زيادة‏:‏ «وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاةٍ في مسجدي هذا» وهذا دليل على تفضيل المسجد الحرام بمكّة على المسجد النّبويّ الشّريف‏.‏

واستدلّ مالك بأدلّة في فضل المدينة منها ما سبق‏:‏ «إنّ الإيمان ليأرز إلى المدينة» وأنّها القرية الّتي تأكل القرى‏,‏ فإنّه يدل على زيادة فضل المدينة على غيرها‏,‏ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اللّهمّ حبّب إلينا المدينة كحبّنا لمكّة أو أشدّ»‏.‏

واستدلوا بأنّ اللّه تعالى اختارها لنبيّه صلى الله عليه وسلم وخلفائه الرّاشدين وفضلاء الصّحابة‏,‏ ولا يختار لهم إلا أفضل البقاع‏.‏

وقد صرّحوا بأنّ الخلاف ليس في الكعبة المعظّمة‏,‏ فإنّها أفضل من المدينة كلّها‏,‏ إلا البقعة الّتي ضمّت أعضاء الجسد الشّريف للنّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وذكر الشّربيني الخطيب أنّ القاضي عياض نقل الإجماع على أنّ موضع قبره صلى الله عليه وسلم أفضل الأرض‏,‏ والخلاف فيما سواه‏.‏

مشاهد المدينة

7 - مشاهد المدينة مواضع ذات فضلٍ‏,‏ ومأثرة تاريخيّة‏,‏ استحب العلماء زيارتها‏,‏ وهي نحو ثلاثين موضعاً يعرفها أهل المدينة ومن أهمّها ما يلي‏:‏

أ - المسجد النّبوي‏:‏

8 - وهو ثاني مسجدٍ بني في الإسلام بعد مسجد قباءٍ‏,‏ والصّلاة فيه أفضل من الصّلاة في أيّ مسجدٍ آخر سوى المسجد الحرام‏,‏ وفي المسجد النّبويّ معالم منها‏:‏ الرّوضة الشّريفة والمنبر والمحراب‏,‏ والحجرة الشّريفة الّتي تشرّفت بضمّ رفاته صلى الله عليه وسلم ورفات صاحبيه أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما‏.‏

وتفصيل ذلك كلّه ينظر في‏:‏ ‏(‏المسجد النّبوي‏,‏ وزيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ف4‏)‏‏.‏

ب - مسجد قباءٍ‏:‏

9 - وهو أوّل مسجدٍ وضع في الإسلام‏,‏ وأوّل من وضع أساسه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سمّي باسم قباءٍ‏,‏ قريةٍ تبعد عن المدينة قدر ثلاثة أميالٍ تقريباً‏.‏

ويستحب زيارة مسجد قباءٍ والصّلاة فيه كلّ أسبوعٍ‏,‏ وأفضله يوم السّبت‏,‏ لحديث عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ «كان النّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يأتي مسجد قباءٍ كلّ سبتٍ راكباً وماشياً»‏.‏

وورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الصّلاة في مسجد قباءٍ كعمرة»‏.‏

وعن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه كان يأتي قباء يوم الاثنين ويوم الخميس‏,‏ وقال‏:‏ «والّذي نفسي بيده لقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ في أصحابه ينقلون حجارته على بطونهم ويؤسّسه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏

ج - البقيع‏:‏

10 - ويقال له‏:‏ بقيع الغرقد‏,‏ لوجود شجر الغرقد فيه‏,‏ وكان مقبرة أهل المدينة وهو يقع إلى الشّرق من المسجد النّبويّ‏,‏ وقد ورد فيه أحاديث‏,‏ من أصحّها حديث عائشة رضي الله عنها عنها‏:‏ «أنّ جبريل أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل بقيع الغرقد فتستغفر لهم‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كلّما كان ليلتها من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر اللّيل إلى البقيع فيقول‏:‏ السّلام عليكم دار قومٍ مؤمنين‏,‏ وأتاكم ما توعدون غداً مؤجّلون‏,‏ وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون‏,‏ اللّهمّ اغفر لأهل بقيع الغرقد»‏.‏

قال النّووي‏:‏ يستحب أن يخرج زائر المدينة كلّ يومٍ إلى البقيع خصوصاً يوم الجمعة‏,‏ ويكون ذلك بعد السّلام على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفي البقيع قبور أجلّة الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم‏,‏ كانت قد بنيت عليهم قباب‏,‏ وقد أزيلت‏,‏ لكنّ أهل الخبرة يعرفون مواضعهم‏,‏ منهم‏:‏ عثمان بن عفّان‏,‏ والعبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنهما إلى الغرب‏,‏ وشرقيه قبر الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما وزين العابدين وبعض أهل البيت في قبرٍ واحدٍ‏,‏ كقبر صفيّة رضي الله عنها عمّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وإبراهيم رضي الله عنه ابنه إلى جنب عثمان بن مظعونٍ‏,‏ وإلى جنبه عبد الرّحمن بن عوفٍ رضي الله عنهما وثمّة موضع قبور من دفن بالبقيع من أمّهات المؤمنين جميعاً‏.‏

د - جبل أحدٍ وقبور الشهداء عنده‏:‏

11 - أحد جبل عظيم يطل على المدينة سمّي بذلك لتوحده وانقطاعه عن جبالٍ أخر هناك‏,‏ وباسمه سمّيت الغزوة الكبيرة الّتي جاءت بعد غزوة بدرٍ الكبرى‏,‏ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جعل ظهر جيشه إلى جبل أحدٍ‏.‏

وورد أنّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أحد جبل يحبنا ونحبه»‏.‏

كما جاء‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكرٍ وعمر وعثمان‏,‏ فرجف بهم‏,‏ فقال‏:‏ أثْبُت أحد‏,‏ فإنّما عليك نبي وصدّيق وشهيدان»‏.‏

وتستحب زيارة شهداء أحدٍ رضي الله عنهم وقد أحيطت‏,‏ قبورهم بسياج‏,‏ وأعلم على قبر سيّد الشهداء حمزة رضي الله عنه بعلامة قبرٍ كبيرةٍ‏,‏ ومعه في القبر المجدّع في اللّه عبد اللّه بن جحشٍ رضي الله عنه قيل له‏:‏ المجدّع لأنّه دعا يوم أحدٍ أن يقاتل ويستشهد ويقطع أنفه وأذنه ويمثّل به في اللّه تعالى‏,‏ فاستجاب اللّه دعاءه‏.‏

وإلى جانبه مصعب بن عميرٍ رضي الله عنه داعية الإسلام في المدينة وثمّة باقي الشهداء‏,‏ ولا يعرف قبر أحدٍ منهم‏,‏ لكنّ الظّاهر أنّهم حول حمزة في بقعة الموقعة رضي الله عنهم وعدّتهم سبعون‏:‏ أربعة من المهاجرين والباقي من الأنصار‏,‏ منهم حنظلة بن أبي عامرٍ غسّيل الملائكة‏,‏ وأنس بن النّضر‏,‏ عم أنس بن مالكٍ خادم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وسعد بن الرّبيع‏,‏ ومالك بن سنانٍ والد أبي سعيدٍ الخدريّ‏,‏ وعبد اللّه بن حرامٍ والد جابر ابن عبد اللّه وغيرهم‏,‏ رضي الله عنهم جميعاً‏.‏

ويسلّم عليهم بالصّيغة الواردة على أهل القبور‏,‏ نحو ما ذكرناه في السّلام على أهل البقيع‏.‏

مَذْرُوعات

انظر‏:‏ مثليّات‏.‏

مَذْهَب

انظر‏:‏ تقليد‏.‏

مُذَهَّب

انظر‏:‏ آنية‏.‏

مَذْي

التّعريف

1 - المَذْي والمَذِيّ لغةً‏:‏ ماء رقيق يخرج عند الملاعبة أو التّذكر ويضرب إلى البياض‏,‏ وقال الرّافعي‏:‏ فيه ثلاث لغاتٍ‏,‏ الأولى‏:‏ سكون الذّال‏,‏ والثّانية‏:‏ كسرها مع التّثقيل - تثقيل الياء -‏,‏ والثّالثة‏:‏ الكسر مع التّخفيف‏,‏ والمذّاء فعّال للمبالغة في كثرة المذي من مذى يمذي‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المني‏:‏

2 - المنيّ في اللغة مشدّد الياء‏:‏ ماء الرّجل والمرأة‏,‏ وجمعه مُنْيٌ‏,‏ وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى‏}‏‏.‏

وقال صاحب الزّاهر‏:‏ سمّي المني منياً لأنّه يمنى أي يراق ويدفق‏,‏ ومن هذا سمّيت منىً‏:‏ لما يمنى بها‏,‏ أي يراق من دماء النسك‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو الماء الغليظ الدّافق الّذي يخرج عند اشتداد الشّهوة‏.‏

وقال صاحب دستور العلماء‏:‏ المني هو الماء الأبيض الّذي ينكسر الذّكر بعد خروجه ويتولّد منه الولد‏.‏

والفرق بين المذي والمنيّ أنّ المنيّ يخرج بشهوة مع الفتور عقيبه‏,‏ وأمّا المذي فيخرج عن شهوةٍ لا بشهوة ولا يعقبه فتور‏.‏

ب - الودي‏:‏

3 - الودي بإسكان الدّال المهملة وتخفيف الياء وتشديدها الماء الثّخين الأبيض الّذي يخرج في إثر البول‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة أنّ المذي يخرج عند الشّهوة ويكون ماءً رقيقاً‏,‏ أمّا الودي فلا يخرج عند الشّهوة وإنّما عقب البول ويكون ثخيناً‏.‏

ما يتعلّق بالمذي من أحكامٍ

أ - نجاسته‏:‏

4 - ذهب الفقهاء إلى نجاسة المذي للأمر بغسل الذّكر منه والوضوء لحديث عليٍّ رضي الله عنه حيث قال‏:‏ «كنت رجلاً مذّاءً وكنت أستحي أنّ أسأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته‏,‏ فأمرت المقداد بن الأسود‏,‏ فسأله فقال‏:‏ يغسل ذكره ويتوضّأ»‏.‏

ولأنّه - كما قال الشّيرازي - خارج من سبيل الحدث لا يخلق منه طاهر فهو كالبول‏.‏

ب - كيفيّة التّطهر من المذي‏:‏

5 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة في الأظهر وهو رواية عند الحنابلة وقول عند المالكيّة إلى جواز إزالة المذي بالاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالأحجار منه كغيره من النّجاسات لما روى سهل بن حنيفٍ قال‏:‏ «كنت ألقى من المذي شدّةً وعناءً فكنت أكثر منه الغسل‏,‏ فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنّما يجزئُك من ذلك الوضوء»‏.‏

ولأنّه خارج لا يوجب الاغتسال أشبه الودي‏.‏

وفي روايةٍ عند الحنابلة ومقابل الأظهر عند الشّافعيّة‏:‏ أنّه لا يجزئُ بالحجر فيتعيّن غسله بالماء‏,‏ فعلى هذا يجزئه غسله مرّةً واحدةً‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لو خرج المذي بلذّة معتادةٍ يغسل وجوباً وإلا كفى فيه الحجر ما لم يكن سلساً لازماً كلّ يومٍ ولو مرّةً وإلا عفي عنه‏.‏

ج - نقض الوضوء به‏:‏

6 - اتّفق الفقهاء على أنّ خروج المذي ينقض الوضوء‏,‏ وقال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أنّ خروج المذي من الأحداث الّتي تنقض الطّهارة وتوجب الوضوء ولا توجب الغسل‏,‏ لحديث عليٍّ رضي الله عنه فيما سبق‏,‏ ولحديث سهل بن حنيفٍ قال‏:‏ «كنت ألقى من المذي شدّةً وعناءً وكنت أكثر منه الغسل فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنّما يجزئُك من ذلك الوضوء، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه‏,‏ كيف بما يصيب ثوبي منه ‏؟‏ قال‏:‏ يكفيك أن تأخذ كفاً من ماءٍ فتنضح به ثوبك حيث ترى أنّه قد أصاب منه»‏.‏

د - الغسل منه‏:‏

7 - إذا استيقظ إنسان من نومه ووجد في ثوبه أو فخذه بللاً ولم يتذكّر احتلاماً فقد نصّ الحنفيّة على أنّه يجب عليه الغسل لاحتمال انفصاله عن شهوةٍ ثمّ نسي ورقّ هو بالهواء‏.‏ وقال أبو يوسف‏:‏ لا يجب عليه الغسل‏,‏ ولو تيقّن أنّه مذي لا يجب اتّفاقاً‏,‏ قال أبو عليٍّ الدّقّاق‏:‏ لو أغشي عليه فأفاق فوجد مذياً‏,‏ أو كان سكران فأفاق فوجد مذياً لا غسل عليه‏,‏ ولا يشبه النّائم إذا استيقظ فوجد على فراشه مذياً حيث كان عليه الغسل إن تذكّر الاحتلام بالإجماع لأنّه في النّوم ظهر تذكر‏,‏ ثمّ إنّه يحتمل أنّه مني رقّ بالهواء أو للغذاء فاعتبرناه منياً احتياطاً ولا كذلك السّكران والمغشي عليه‏,‏ لأنّه لم يظهر فيهما هذا السّبب‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن شكّ من وجد بفرجه أو ثوبه أو فخذه شيئاً من بللٍ أو أثر مذيٍ أو منيٍّ وكان شكه مستوياً اغتسل وجوباً للاحتياط كمن تيقّن الطّهارة وشكّ في الحدث‏,‏ وهذا هو المشهور‏,‏ وروي عن ابن زيادٍ أنّه لا يلزمه إلا الوضوء مع غسل ذكره وإن ترجّح لديه أحدهما عمل بمقتضى الرّاجح‏.‏

ونصّ الشّافعيّة على أنّه إن احتمل كون الخارج منياً أو غيره كودي أو مذيٍ تخيّر بين الغسل والوضوء على المعتمد‏,‏ فإن جعله منياً اغتسل أو غيره توضّأ وغسل ما أصابه‏,‏ لأنّه إذا أتى بمقتضى أحدهما برئ منه يقيناً والأصل براءته من الآخر‏.‏

وعند الحنابلة قال ابن قدامة‏:‏ قال أحمد‏:‏ إذا وجد بلّةً اغتسل إلا أن يكون به أبردة أو لاعب أهله فإنّه ربّما خرج منه المذي فأرجو ألا يكون به بأس وكذلك إن كان انتشر من أوّل اللّيل بتذكر أو رؤيةٍ لا غسل عليه لأنّه مشكوك فيه يحتمل أنّه مذي وقد وجد سببه فلا يوجب الغسل مع الشّكّ‏,‏ وإن لم يكن وجد ذلك فعليه الغسل‏,‏ لخبر عائشة‏,‏ ولأنّ الظّاهر أنّه احتلام‏,‏ ثمّ قال ابن قدامة‏:‏ وقد توقّف أحمد في هذه المسألة في مواضع‏.‏

هـ - أثره في الصّوم‏:‏

8 - إذا أمذى الصّائم بأيّ سببٍ كقبلة أو نظرٍ أو فكرٍ فقد اختلف الفقهاء في فطره بذلك على أقوالٍ‏,‏ وقد سبق تفصيلها في مصطلح‏:‏ ‏(‏صوم ف 44‏)‏‏.‏

مَرْأة

انظر‏:‏ امرأة‏.‏

مُرَابحة

التّعريف

1 - المرابحة في اللغة‏:‏ تحقيق الرّبح‏,‏ يقال‏:‏ بعت المتاع مرابحةً‏,‏ أو اشتريته مرابحةً‏:‏ إذا سمّيت لكلّ قدرٍ من الثّمن ربحاً‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفها‏,‏ لكنّها متّحدة في المعنى والمدلول‏,‏ وهي‏:‏ نقل ما ملكه بالعقد الأوّل‏,‏ بالثّمن الأوّل مع زيادة ربحٍ‏.‏

فالمرابحة من بيوع الأمانات الّتي تعتمد على الإخبار عن ثمن السّلعة وتكلفتها الّتي قامت على البائع‏.‏

وصورتها عند المالكيّة‏:‏ هي أن يعرّف صاحب السّلعة المشتري بكم اشتراها‏,‏ ويأخذ منه ربحاً إمّا على الجملة‏,‏ مثل أن يقول‏:‏ اشتريتها بعشرة وتربحني ديناراً أو دينارين‏,‏ وإمّا على التّفصيل وهو أن يقول‏:‏ تربحني درهماً لكلّ دينارٍ أو نحوه‏,‏ أي إمّا بمقدار مقطّعٍ محدّدٍ‏,‏ وإمّا بنسبة عشريّةٍ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّولية‏:‏

2 - التّولية نقل ما ملكه بالعقد الأوّل بالثّمن الأوّل من غير زيادة ربحٍ‏.‏

والصّلة بين المرابحة والتّولية أنّ كليهما من بيوع الأمانات‏.‏

ب - الوضيعة‏:‏

3 - الوضيعة هي‏:‏ البيع بمثل الثّمن الأوّل‏,‏ مع نقصان شيءٍ معلومٍ منه‏.‏

ويقال لها أيضاً‏:‏ المواضعة والمخاسرة والمحاطّة‏,‏ فهي مضادّة للمرابحة‏.‏

الحكم التّكليفي للمرابحة

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز المرابحة ومشروعيتها لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ‏}‏، وقولـه سبحانه‏:‏ ‏{‏إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ‏}‏، والمرابحة بيع بالتّراضي بين العاقدين‏,‏ فكان دليل شرعيّة البيع مطلقاً بشروطه المعلومة هو دليل جوازها‏.‏

كما استدلوا بأنّه توافرت في هذا العقد شرائط الجواز الشّرعيّة‏,‏ والحاجة ماسّة إلى هذا النّوع من التّصرف‏,‏ لأنّ الغبيّ الّذي لا يهتدي في التّجارة يحتاج إلى أن يعتمد على فعل الخبير المهتدي‏,‏ وتطيب نفسه بمثل ما اشترى البائع‏,‏ وبزيادة ربحٍ‏,‏ فوجب القول بجوازها‏.‏

ثمّ إنّ المرابحة بيع بثمن معلومٍ‏,‏ فجاز البيع به‏,‏ كما لو قال‏:‏ بعتك بمائة وعشرةٍ‏,‏ وكذا الرّبح معلوم‏,‏ فأشبه ما لو قال‏:‏ وربح عشرة دراهم‏.‏

وفسّر المالكيّة الجواز بأنّه خلاف الأولى‏,‏ أو الأحب خلافه‏,‏ والمساومة أحب إلى أهل العلم من بيع المزايدة‏,‏ وبيع الاستئمان والاسترسال‏,‏ وأضيقها عندهم بيع المرابحة‏,‏ لأنّه يتوقّف على أمورٍ كثيرةٍ قلّ أن يأتي بها البائع على وجهها‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ ورويت كراهته عن ابن عمر وابن عبّاسٍ رضي الله عنهم ومسروقٍ والحسن وعكرمة وسعيد بن جبيرٍ وعطاء بن يسارٍ وعن إسحاق بن راهويه أنّه لا يجوز لأنّ الثّمن مجهول حال العقد فلم يجز‏.‏

شروط المرابحة

5 - يشترط في بيع المرابحة ما يشترط في كلّ البيوع مع إضافة شروطٍ أخرى تتناسب مع طبيعة هذا العقد وهي‏:‏

أوّلاً‏:‏ شروط الصّيغة

6 - يشترط في صيغة المرابحة ما يشترط في كلّ عقدٍ وهي ثلاثة شروطٍ‏:‏ وضوح دلالة الإيجاب والقبول‏,‏ وتطابقهما‏,‏ واتّصالهما‏.‏

‏(‏ر‏:‏ مصطلح‏:‏ عقد ف 5‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ شروط صحّة المرابحة

7 - يشترط لصحّة المرابحة‏:‏

أ - أن يكون العقد الأوّل صحيحاً‏,‏ فإن كان فاسداً‏,‏ لم يجز بيع المرابحة‏,‏ لأنّ المرابحة بيع بالثّمن الأوّل مع زيادة ربحٍ‏,‏ والبيع الفاسد - وإن كان يفيد الملك عند الحنفيّة في الجملة - لكن يثبت الملك فيه بقيمة المبيع أو بمثله‏,‏ لا بالثّمن المذكور في العقد لفساد التّسمية‏,‏ وهذا لا يتّفق مع مقتضى عقد المرابحة القائم على معرفة الثّمن الأوّل ذاته‏,‏ لا القيمة أو المثل‏.‏

ب - العلم بالثّمن الأوّل‏:‏ يشترط أن يكون الثّمن الأوّل معلوماً للمشتري الثّاني‏,‏ لأنّ العلم بالثّمن شرط في صحّة البيوع‏,‏ فإذا لم يعلم الثّمن الأوّل فسد العقد‏.‏

ج - أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال‏,‏ وبيان ذلك‏:‏ أنّ رأس المال إمّا أن يكون مثلياً كالمكيلات والموزونات والعدديّات المتقاربة‏,‏ أو يكون قيمياً لا مثل له كالعدديّات المتفاوتة‏.‏ فإن كان مثلياً جاز بيعه مرابحةً على الثّمن الأوّل‏,‏ سواء باعه من بائعه أم من غيره‏,‏ وسواء جعل الرّبح من جنس رأس المال في المرابحة أو من خلاف جنسه بعد أن كان الثّمن الأوّل معلوماً والرّبح معلوماً‏.‏

وإن كان قيمياً لا مثل له من العروض‏,‏ فإنّه لا يجوز بيعه مرابحةً ممّن ليس ذلك العرض في ملكه‏,‏ لأنّ المرابحة بيع بمثل الثّمن الأوّل‏,‏ فإذا لم يكن الثّمن الأوّل مثل جنسه‏,‏ فإمّا أن يقع البيع على غير ذلك العرض‏,‏ وإمّا أن يقع على قيمته‏,‏ وعينه ليس في ملكه‏,‏ وقيمته مجهولة تعرف بالحزر والظّنّ لاختلاف أهل التّقويم فيها‏.‏

وأمّا بيعه ممّن العرض في ملكه وتحت يده فينظر‏:‏ فإن جعل الرّبح شيئاً مفرداً عن رأس المال معلوماً كالدّرهم وثوبٍ معيّنٍ ونحو ذلك جاز‏,‏ لأنّ الثّمن الأوّل معلوم والرّبح معلوم‏.‏ وإن جعل الرّبح جزءاً من رأس المال بأن قال‏:‏ بعتك الثّمن الأوّل بربح درهمٍ في العشرة لا يجوز‏,‏ لأنّه جعل الرّبح جزءاً من العرض‏,‏ والعرض ليس متماثل الأجزاء‏,‏ وإنّما يعرف ذلك بالتّقوم‏,‏ والقيمة مجهولة لأنّها تعرف بالحزر والظّنّ‏,‏ هذا تفصيل الحنفيّة‏.‏

أمّا المالكيّة‏:‏ فعندهم أنّ الثّمن العرض إمّا أن يكون عند المشتري أو لا يكون‏:‏ فإن لم يكن عند المشتري فلا يجوز بيع السّلعة مرابحةً سواء كان العرض من المثليّات أو القيميّات وهذا عند أشهب خلافاً لابن القاسم في المثليّات فعنده يجوز بيع السّلعة الّتي ثمنها عرض مثلي‏,‏ سواء كانت بيد المشتري أم لا‏.‏

كما يتّفق ابن القاسم مع أشهب في المنع في أحد التّأويلين إذا كان العرض من القيميّات‏,‏ وذلك بناءً على أنّه يكون بيع الإنسان ما ليس عنده وأنّه من السّلم الحالّ‏,‏ ويراد به السّلم الّذي ليس فيه أجل لمدّة خمسة عشر يوماً‏.‏

أمّا التّأويل الآخر لابن القاسم‏:‏ فإنّ العرض المتقوّم وإن لم يكن في يد المشتري لكنّه قادر على تحصيله فإنّ بيع السّلعة مرابحةً يجوز‏.‏

وإن كان العرض بيد المشتري‏,‏ فإن كان مثلياً فلا خلاف في جواز المرابحة على بيع السّلعة المشتراة به‏,‏ أمّا إن كان قيمياً‏,‏ فرأى أشهب المنع كما لو كان ليس عند المشتري‏,‏ أمّا عند ابن القاسم فإنّه يجوز أن يبيع بمثل ذلك العرض وزيادةٍ ولا يجوز البيع بالقيمة‏.‏

ويقول الشّافعيّة‏:‏ إذا اشترى بعرض وأراد أن يبيعه مرابحةً فإنّ البيع صحيح إذا استخدم لفظ‏:‏ بعت بما اشتريت‏,‏ أو بعت بما قام عليّ‏,‏ وهنا يجب إخبار المشتري أنّه اشتراه بعرض قيمته كذا‏,‏ ولا ينبغي له الاقتصار على ذكر القيمة‏,‏ لأنّ البائع بالعرض يشدّد فوق ما يشدّد البائع بالنّقد‏.‏

وقال الإسنوي‏:‏ إذا قال‏:‏ بعتك بما قام عليّ أخبر بالقيمة دون حاجةٍ لذكر العرض‏.‏

ومثل الّذي ذكرناه عن الشّافعيّة نجده عند الحنابلة‏.‏

د - ألا يكون الثّمن في العقد الأوّل مقابلاً بجنسه من أموال الرّبا‏,‏ وأموال الرّبا عند المالكيّة‏:‏ كل مقتاتٍ مدّخرٍ‏,‏ وعند الشّافعيّة‏:‏ كل مطعومٍ‏,‏ وعند الحنفيّة والحنابلة‏:‏ كل مكيلٍ وموزونٍ‏,‏ واتّفق الجميع على جريان الرّبا في الذّهب والفضّة‏,‏ وما يحل محلّهما من الأوراق النّقديّة على الصّحيح‏.‏

وهذا شرط متّفق عليه‏,‏ فإن كان الثّمن على هذا النّحو‏,‏ كأن اشترى المكيل أو الموزون - عند الحنفيّة - بجنسه‏,‏ مثلاً بمثل‏,‏ لم يجز له أن يبيعه مرابحةً‏,‏ لأنّ المرابحة بيع بالثّمن الأوّل وزيادةٍ‏,‏ والزّيادة في أموال الرّبا تكون رباً‏,‏ لا ربحاً‏,‏ فإن اختلف الجنس فلا بأس بالمرابحة‏,‏ كأن اشترى ديناراً بعشرة دراهم‏,‏ فباعه بربح درهمٍ أو ثوبٍ بعينه‏,‏ جاز‏,‏ لأنّ المرابحة بيع بالثّمن الأوّل وزيادةٍ‏,‏ ولو باع ديناراً بأحد عشر درهماً‏,‏ أو بعشرة دراهم وثوبٍ‏,‏ كان جائزاً بشرط التّقابض‏,‏ فهذا مثله‏.‏

هـ - أن يكون الرّبح معلوماً‏:‏ العلم بالرّبح ضروري‏,‏ لأنّه بعض الثّمن‏,‏ والعلم بالثّمن شرط في صحّة البيوع‏,‏ فإن كان الثّمن مجهولاً حال العقد‏,‏ لم تجز المرابحة‏.‏

ولا فرق في تحديد الرّبح بين أن يكون مقداراً مقطوعاً أو بنسبة عشريّةٍ في المائة‏,‏ ويضم الرّبح إلى رأس المال ويصير جزءاً منه‏,‏ سواء أكان حالاً نقدياً أو مقسّطاً على أقساطٍ معيّنةٍ في الشّهر أو السّنة مثلاً‏.‏

الحطيطة والزّيادة في الثّمن

8 - لو اشترى شخص سلعةً وانعقد البيع على ثمنٍ مسمّىً ثمّ طرأت زيادة أو حط على الثّمن المسمّى‏,‏ وتمّ قبول هذه الزّيادة أو الحطّ‏,‏ ثمّ أراد المشتري بيع السّلعة مرابحةً فهل يخبر بالثّمن المعقود عليه ‏؟‏ أم أنّه يخبر به بعد الزّيادة أو الحطّ ‏؟‏ في المسألة تفصيل‏:‏ فالزّيادة أو الحط قد يتّفق عليها في مدّة الخيار أو بعد لزوم البيع‏,‏ فإن حصل ذلك في مدّة الخيار فهذه الزّيادة أو الحط يلحق بالثّمن‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ لا أعلم مخالفاً في ذلك‏.‏

لكنّ أبا عليٍّ الطّبريّ من الشّافعيّة يقول‏:‏ إذا قلنا ينتقل الملك بالعقد‏,‏ فإنّه لا يلحق الزّيادة والنّقص بالثّمن الأوّل‏.‏

أمّا إذا كانت الزّيادة والحط قد أتفق عليه بعد لزوم البيع‏:‏ فقد قال الحنفيّة‏:‏ إنّ الزّيادة الّتي يعطيها المشتري للبائع الأوّل في الثّمن الأوّل تلتحق بأصل العقد فيبيع المشتري مرابحةً بالثّمن المعقود عليه مع الزّيادة‏,‏ وكذلك لو حطّ البائع الأوّل عن المشتري شيئاً من الثّمن فإنّ الحطّ يلتحق بالأصل‏,‏ فإذا باع المشتري مرابحةً فإنّ ثمن المرابحة هو الباقي بعد الحطّ‏,‏ وكذلك الحال لو حطّ البائع الأوّل عن المشتري بعدما باعه المشتري مرابحةً‏,‏ فإنّ هذا الحطّ يلحق رأس المال الّذي باع به مع حطّ حصّته من الرّبح‏,‏ لأنّ الحطّ يلتحق بأصل العقد‏,‏ وقضيّة الحطّ من الرّبح أنّ الرّبح ينقسم على جميع الثّمن‏,‏ فإذا حطّ شيء من الثّمن فلا بدّ من حطّ حصّته من الرّبح‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ لو تجاوز البائع الأوّل عن نقودٍ زائفةٍ ظهرت في الثّمن الّذي استلمه ورضي بها ولم يردّها إلى المشتري - يعني أنّه حطّها - وكذلك لو وهب البائع الأوّل شيئاً من الثّمن وأراد هذا المشتري أن يبيع مرابحةً فإنّه يجب عليه أن يبيّن لمن يشتري منه ما تجاوز عنه البائع أو حطّه أو وهب له إذا كانت الهبة أو الحطيطة معتادةً بين النّاس‏,‏ فإن لم تكن معتادةً أو وهب له جميع الثّمن قبل الافتراق أو بعده لم يجب البيان‏,‏ فإن لم يبيّن ما وجب بيانه فهو في حكم الكذب‏,‏ وعليه فإن كانت السّلعة قائمةً وحطّ البائع مرابحةً ما وهب له من الثّمن دون ربحه لزمت المشتري وهو قول سحنون والقول عند أصبغ أنّها لا تلزمه حتّى يحطّ ربحه‏.‏

والقول عند الشّافعيّة‏:‏ أنّ الزّيادة أو الحطّ بعد لزوم العقد لا يلتحق بأصل العقد لأنّ ذلك هبة وتبرع‏,‏ وهذا قول زفر أيضاً‏.‏

ويضيف الشّافعيّة‏:‏ أنّ هذا الحكم إنّما يكون إذا كانت صيغة المرابحة‏:‏ بعتك بما اشتريت‏,‏ أمّا إذا كانت الصّيغة‏:‏ بعتك بما قام عليّ فإنّ الزّيادة والحطّ يلحق برأس المال فيخبر البائع به وإن حطّ البائع الأوّل كلّ الثّمن عن المشتري فإنّه لا يجوز البيع مرابحةً بلفظ‏:‏ بعت بما قام عليّ‏,‏ وإنّما هو يقدّر ثمناً ولا يجب الإخبار عن الحال‏,‏ أمّا إذا جرى الحط والزّيادة بعد جريان المرابحة فإنّ الحطّ لا يلحق المشتري فيه‏,‏ وهذا هو المذهب‏,‏ وقال بعضهم‏:‏ إنّه يلحق كما في التّولية والإشراك‏.‏

وقريب ممّا ذكرناه عن الشّافعيّة نجده عند الحنابلة أيضاً‏.‏

نماء المبيع

9 - إن حدث في المبيع زيادة منفصلة كالولد واللّبن والثّمرة والصوف والكسب‏,‏ لم يبعه عند الحنفيّة مرابحةً حتّى يبيّن‏:‏ لأنّ الزّيادة المتولّدة من المبيع مبيعة عندهم‏,‏ حتّى تمنع الرّدّ بالعيب‏,‏ وإن لم يكن لها حصّة من الثّمن للحال‏.‏

وكذا لو هلك نماء المبيع بفعل البائع أو بفعل أجنبيٍّ ووجب الأرش - التّعويض - لأنّه صار مبيعاً مقصوداً يقابله الثّمن‏,‏ ثمّ المبيع بيعاً غير مقصودٍ لم يبعه مرابحةً من غير بيانٍ‏,‏ فالمبيع مقصوداً أولى‏,‏ ولو هلك بآفة سماويّةٍ له أن يبيعه مرابحةً من غير بيانٍ لأنّه إن هلك طرف من أطرافه بآفة سماويّةٍ‏,‏ باعه مرابحةً من غير بيانٍ‏,‏ فالولد أولى‏,‏ لأنّه ملحق بالطّرف‏.‏

ولو استغلّ الولد والأرض‏,‏ جاز له أن يبيعه مرابحةً من غير بيانٍ‏,‏ لأنّ الزّيادة الّتي ليست بمتولّدة من المبيع‏,‏ لا تكون مبيعةً بالإجماع‏,‏ ولهذا لا يمنع الرّدّ بالعيب‏,‏ فلم يكن ببيع الدّار أو الأرض حابساً جزءاً من المبيع‏,‏ فكان له أن يبيعه مرابحةً من غير بيانٍ‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يبيّن البائع مرابحةً ولادة الدّابّة وإن باع ولدها معها‏,‏ وكذا الصوف إن جزّ‏,‏ فإن توالدت الغنم لم يبع مرابحةً حتّى يبيّن‏,‏ وإن جزّ الصوف فليبيّنه‏,‏ سواء تمّ أم لا‏,‏ وسواء كان عليها يوم الشّراء أم لا‏,‏ لأنّه إن كان يومئذٍ تاماً‏,‏ فقد صار له حصّة من الثّمن‏,‏ فهذا نقصان من الغنم وإن لم يكن تاماً فلم ينبت إلا بعد مدّةٍ تتغيّر فيها الأسواق‏,‏ أمّا إن حلب الغنم فليس عليه أن يبيّن ذلك في المرابحة‏,‏ لأنّ الغلّة بالضّمان‏,‏ إلا أن يطول الزّمان أو تتغيّر الأسواق‏,‏ فليبيّن ذلك‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن حدثت من العين فوائد في ملكه كالولد واللّبن والثّمرة لم يحطّ ذلك من الثّمن‏,‏ لأنّ العقد لم يتناوله‏,‏ وإن أخذ ثمرةً كانت موجودةً عند العقد أو لبناً كان موجوداً حال العقد‏,‏ حطّ من الثّمن‏,‏ لأنّ العقد تناوله‏,‏ وقابله قسط من الثّمن‏,‏ فأسقط ما قابله‏,‏ وإن أخذ ولداً كان موجوداً حال العقد‏,‏ فإن قلنا‏:‏ إنّ الحمل له حكم‏,‏ فهو كاللّبن والثّمرة‏,‏ وإن قلنا‏:‏ لا حكم له‏,‏ لم يحطّ من الثّمن شيئاً‏.‏

ووافق الحنابلة الشّافعيّة في النّماء‏,‏ فقالوا‏:‏ إن تغيّرت السّلعة بزيادة لنمائها كالسّمن وتعليم صنعةٍ‏,‏ أو يحصل منها نماء منفصل كالولد والثّمرة والكسب‏,‏ فإن أراد أن يبيعها مرابحةً‏,‏ أخبر بالثّمن من غير زيادةٍ‏,‏ لأنّه القدر الّذي اشتراها به‏,‏ وإن أخذ النّماء المنفصل‏,‏ أخبر برأس المال‏,‏ ولم يلزمه تبيين الحال‏,‏ وروى ابن المنذر عن أحمد‏:‏ أنّه يلزمه تبيين ذلك كلّه‏,‏ وهو قول إسحاق‏.‏

إضافة المشتري الأوّل شيئاً إلى المبيع

10 - قال الحنفيّة‏:‏ لا بأس بأن يلحق برأس المال أجرة القصّار والصّبّاغ والغسّال والفتّال والخيّاط والسّمسار وسائق الغنم والكراء‏,‏ وعلف الدّوابّ‏,‏ ويباع مرابحةً وتوليةً على الكلّ‏,‏ اعتباراً للعرف‏,‏ لأنّ العادة فيما بين التجّار أنّهم يلحقون هذه المؤن برأس المال‏,‏ ويعدونها منه‏,‏ وعرف المسلمين وعادتهم حجّة مطلقة‏,‏ جاء في الحديث الموقوف على ابن مسعودٍ‏:‏ «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند اللّه حسن‏,‏ وما رآه المسلمون سيّئاً فهو عند اللّه سيّئ» ثمّ إنّ الصّبغ وأمثاله يزيد في القيمة‏:‏ والقيمة تختلف باختلاف المكان‏,‏ ويقول‏:‏ قام عليّ بكذا‏,‏ ولا يقول اشتريته بكذا‏,‏ كيلا يكون كاذباً‏.‏

وأمّا أجرة الرّاعي والطّبيب والحجّام والختّان والبيطار وفداء الجناية وما أنفق على نفسه من تعليم صناعةٍ أو قرآنٍ أو شعرٍ‏,‏ فلا يلحق برأس المال‏,‏ ويباع مرابحةً وتوليةً على الثّمن الأوّل الواجب بالعقد الأوّل لا غير‏,‏ لأنّ العادة ما جرت من التجّار بإلحاق هذه المؤن برأس المال‏.‏

ووافق المالكيّة على هذا‏,‏ فقالوا‏:‏ وحسب البائع على المشتري ربح ما له عين قائمة بالسّلعة‏,‏ أي مشاهدة بالبصر‏,‏ كصبغ وطرزٍ وقصرٍ وخياطةٍ وفتلٍ لحرير وغزلٍ وكمْدٍ - بسكون الميم أي‏:‏ دقّ الثّوب لتحسينه - وتطرّيه‏,‏ أي جعل الثّوب في الطّراوة ليلين وتذهب خشونته‏,‏ وكذا عرك الجلد المدبوغ ليلين‏,‏ فإذا لم يكن له عين قائم كأجرة حمل وشدّ وطيّ ثيابٍ ونحوها حسب أصله فقط دون ربحه إن زاد في الثّمن‏.‏

وكذلك قال الشّافعيّة‏:‏ يدخل في الثّمن أجرة الكيّال والدّلال والحارس والقصّار والرّفّاء والطّرّاز والصّبّاغ وقيمة الصّبغ وسائر المؤن المرادة للاسترباح‏,‏ قائلاً‏:‏ قام عليّ بكذا‏,‏ ولا يقول‏:‏ اشتريت بكذا‏,‏ أو ثمنه كذا‏,‏ لأنّ ذلك كذب‏,‏ لكن لو قصّر بنفسه أو كال أو حمل أو تطوّع به شخص‏,‏ لم تدخل أجرته‏.‏

وعبارة الحنابلة‏:‏ إذا عمل المشتري الأوّل عملاً في السّلعة‏,‏ كأن يقصّرها أو يرفوها أو يجعلها ثوباً أو يخيطها‏,‏ وأراد أن يبيعها مرابحةً‏,‏ أخبر بالحال على وجهه‏,‏ سواء عمل ذلك بنفسه أو استأجر من عمل‏,‏ وهذا ظاهر كلام أحمد‏,‏ فإنّه قال‏:‏ يبيّن ما اشتراه وما لزمه ولا يجوز أن يقول‏:‏ تحصّلت عليّ بكذا‏.‏

تعيب المبيع أو نقصه

11 - نصّ الحنفيّة على أنّه إذا حدث بالسّلعة عيب في يد البائع أو في يد المشتري فأراد أن يبيعها مرابحةً ينظر‏:‏ إن حدث بآفة سماويّةٍ فله أن يبيعها مرابحةً بجميع الثّمن من غير بيانٍ عند أبي حنيفة وصاحبيه‏,‏ وقال زفر‏:‏ لا يبيعها مرابحةً حتّى يبيّن‏,‏ وإن حدث بفعله أو بفعل أجنبيٍّ لم يبعه مرابحةً حتّى يبيّن بإجماع الحنفيّة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يجب على بائع المرابحة تبيين ما يكره في ذات المبيع أو وصفه كأن يكون الثّوب محرّقاً أو الحيوان مقطوع عضوٍ وتغيّر الوصف ككون العبد يأبق أو يسرق‏,‏ فإن لم يبيّن ما يكره في ذات المبيع أو وصفه كان كذباً أو غشّاً‏,‏ فإن تحقّق عدم كراهته لم يجب عليه البيان‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يلزم البائع أن يصدق في بيان العيب الحادث عنده بآفة أو جنايةٍ تنقص القيمة أو العين‏,‏ لأنّ الغرض يختلف بذلك‏,‏ ولأنّ الحادث ينقص به المبيع‏,‏ ولا يكفي فيه تبيين العيب فقط ليوهم المشتري أنّه كان عند الشّراء وأنّ الثّمن المبذول كان في مقابلته مع العيب‏,‏ ولو كان فيه عيب قديم اطّلع عليه بعد الشّراء أو رضي به وجب بيانه أيضاً‏,‏ ولو أخذ أرش عيبٍ وباع بلفظ‏:‏ قام عليّ حطّ الأرش‏,‏ أو بلفظ‏:‏ ما اشتريت‏,‏ ذكر صورة ما جرى به العقد مع العيب وأخذ الأرش‏,‏ لأنّ الأرش المأخوذ جزء من الثّمن‏,‏ وإن أخذ الأرش عن جنايةٍ بأن قطع يد المبيع‏,‏ وقيمته مائة ونقص ثلاثين‏,‏ وأخذ من الجاني نصف القيمة خمسين‏,‏ فالمحطوط من الثّمن الأقل من أرش النّقص ونصف القيمة إن باع بلفظ‏:‏ قام عليّ‏,‏ وإن كان نقص القيمة أكثر من الأرش كستّين حطّ ما أخذ من الثّمن ثمّ أخبر مع إخباره بقيامه عليه بالباقي بنصف القيمة‏,‏ وإن باع بلفظ‏:‏ ما اشتريت ذكر الثّمن والجناية‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ إذا تغيّرت السّلعة بنقص كمرض أو جنايةٍ أو تلف بعضها أو بولادة أو عيبٍ‏,‏ أو أخذ المشتري بعضها كالصوف واللّبن الموجود ونحوه‏,‏ أخبر بالحال على وجهه‏,‏ بلا خلافٍ‏,‏ وإن أخذ أرش العيب أو الجناية أخبر بذلك على وجهه‏,‏ كما ذكر القاضي لأنّ ذلك أبلغ في الصّدق ونفي التّغرير بالمشتري والتّدليس عليه‏,‏ وقال أبو الخطّاب‏:‏ يحط أرش العيب من الثّمن‏,‏ ويخبر بالباقي‏:‏ لأنّ أرش العيب عوض ما فات به‏,‏ فكان ثمن الموجود هو ما بقي‏,‏ وفي أرش الجناية وجهان‏:‏ أحدهما يحطه من الثّمن كأرش العيب‏,‏ والثّاني‏:‏ لا يحطه كالنّماء‏.‏

تعدد الشّراء والبيع

12 - إذا اشترى شخص ثوباً بعشرة مثلاً‏,‏ ثمّ باعه بخمسة عشر ثمّ اشتراه بعشرة‏,‏ أخبر عند بيعه ثانيةً مرابحةً أنّه بعشرة وذلك عند المالكيّة والشّافعيّة وجمهور الحنابلة والصّاحبين - أبي يوسف ومحمّدٍ - لأنّه صادق فيما أخبر به‏,‏ وليس فيه تهمة ولا تغرير بالمشتري‏,‏ فأشبه ما لو لم يربح فيه‏.‏

وقال أبو حنيفة والقاضي من الحنابلة وأصحابه‏:‏ لا يجوز بيعه مرابحةً إلا أن يبيّن أمره‏,‏ أو يخبر أنّ رأس ماله عليه خمسة ويقول‏:‏ قام عليّ بخمسة‏,‏ لأنّ المرابحة تضم فيها العقود‏,‏ فيخبر بما تقوم عليه‏,‏ كما تضم أجرة القصّار والخيّاط‏.‏

ظهور الخيانة في المرابحة

13 - إذا ظهرت الخيانة في المرابحة بإقرار البائع في عقد المرابحة‏,‏ أو ببرهان عليها أو بنكوله عن اليمين‏,‏ فإمّا أن تظهر في صفة الثّمن أو في قدره‏.‏

فإن ظهرت في صفة الثّمن‏:‏ بأن اشترى شيئاً نسيئةً‏,‏ ثمّ باعه مرابحةً على الثّمن الأوّل‏,‏ ولم يبيّن أنّه اشتراه نسيئةً‏,‏ ثمّ علم المشتري‏,‏ فله الخيار عند الحنفيّة إن شاء أخذ المبيع‏,‏ وإن شاء ردّه‏,‏ لأنّ المرابحة عقد مبني على الأمانة‏,‏ إذ أنّ المشتري اعتمد على أمانة البائع في الإخبار عن الثّمن الأوّل‏,‏ فكانت صيانة البيع الثّاني عن الخيانة مشروطةً دلالةً‏,‏ فإذا لم يتحقّق الشّرط ثبت الخيار‏,‏ كما في حالة عدم تحقق سلامة المبيع عن العيب‏.‏

وكذا إذا لم يخبر أنّ الشّيء المبيع كان بدل صلحٍ فللمشتري الثّاني الخيار‏,‏ وإن ظهرت الخيانة في قدر الثّمن في المرابحة‏,‏ بأن قال‏:‏ اشتريت بعشرة‏,‏ وبعتك بربح كذا‏,‏ ثمّ تبيّن أنّه كان اشتراه بتسعة‏,‏ فقال أبو حنيفة ومحمّد‏:‏ المشتري بالخيار‏:‏ إن شاء أخذه بجميع الثّمن‏,‏ وإن شاء ترك‏,‏ لأنّ المشتري لم يرض بلزوم العقد إلا بالقدر المسمّى من الثّمن‏,‏ فلا يلزم بدونه‏,‏ ويثبت له الخيار‏,‏ لوجود الخيانة‏,‏ كما يثبت الخيار بعدم تحقق سلامة المبيع عن العيب‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ لا خيار للمشتري‏,‏ ولكن يحط قدر الخيانة‏,‏ وهو درهم وحصّته من الرّبح‏,‏ وهو جزء من عشرة أجزاءٍ من درهمٍ‏,‏ لأنّ الثّمن الأوّل أصل في بيع المرابحة‏,‏ فإذا ظهرت الخيانة تبيّن أنّ تسمية قدر الخيانة لم تصحّ‏,‏ فتلغو التّسمية في قدر الخيانة ويبقى العقد لازماً بالثّمن الباقي‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن كذب البائع بالزّيادة في الثّمن‏,‏ لزم المبتاع الشّراء إن حطّه البائع عنه وحطّ ربحه أيضاً‏,‏ وإن لم يحطّه وربحه عنه‏,‏ خيّر المشتري بين الإمساك والرّدّ‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ وليصدق البائع في قدر الثّمن والأجل والشّراء بالعرض وبيان العيب الحادث عنده‏,‏ فلو قال‏:‏ بمائة‏,‏ فبان بتسعين‏,‏ فالأظهر أنّه يحط الزّيادة وربحها وأنّه لا خيار للمشتري‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا يفسد البيع بالإخبار بخلاف الواقع في الثّمن‏,‏ وإنّما يخيّر المشتري بين قبول المبيع بالثّمن أو الرّدّ وفسخ العقد‏,‏ أي يثبت للمشتري الخيار بين أخذ المبيع والرّدّ‏,‏ لأنّ المشتري دخل عليه ضرر في التزامه فلم يلزمه كالمعيب‏,‏ أمّا الإخبار بالزّيادة على رأس المال فيرجع المشتري على البائع بالزّيادة وحطّها من الرّبح‏.‏

البيع مرابحةً للآمر بالشّراء

14 - نصّ الشّافعي أنّه‏:‏ إذا أرى الرّجل الرّجل السّلعة‏,‏ فقال‏:‏ اشتر هذه‏,‏ وأربحك فيها كذا‏,‏ فاشتراها الرّجل‏,‏ فالشّراء جائز والّذي قال‏:‏ أربحك فيها بالخيار‏,‏ إن شاء أحدث فيها بيعاً‏,‏ وإن شاء تركه‏.‏

وهكذا إن قال‏:‏ اشتر لي متاعاً ووصفه له‏,‏ أو متاعاً أيّ متاعٍ شئت‏,‏ وأنا أربحك فيه‏,‏ فكل هذا سواء‏,‏ يجوز البيع الأوّل‏,‏ ويكون فيما أعطى من نفسه بالخيار‏,‏ وسواء في هذا ما وصف‏,‏ إن كان قال‏:‏ ابتعه وأشتريه منك بنقد أو دينٍ‏,‏ يجوز البيع الأوّل‏,‏ ويكون بالخيار في البيع الآخر‏,‏ فإن جدّداه جاز‏.‏

وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأوّل‏,‏ فهو مفسوخ من قبل شيئين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنّه تبايعاه قبل تملك البائع‏.‏

والثّاني‏:‏ أنّه على مخاطره أنّك إذا اشتريته على كذا‏,‏ أربحك فيه كذا‏.‏

وهذا مصرّح به أيضاً لدى المالكيّة‏,‏ حيث قالوا‏:‏ من البيع المكروه‏:‏ أن يقول‏:‏ أعندك كذا وكذا تبيعه منّي بدين ‏؟‏ فيقول‏:‏ لا‏,‏ فيقول‏:‏ ابتع ذلك‏,‏ وأنا أبتاعه منك بدين‏,‏ وأربحك فيه‏,‏ فيشتري ذلك‏,‏ ثمّ يبيعه منه على ما تواعدا عليه‏.‏

مُرابَطة

انظر‏:‏ جهاد‏.‏

مُراجَعَة

التّعريف

1 - المراجعة في اللغة لها عدّة معانٍ‏,‏ منها أنّها تطلق ويراد بها‏:‏ مراجعة الرّجل أهله بعد الطّلاق‏,‏ وتطلق ويراد منها‏:‏ المعاودة في الكلام‏.‏

والمراجعة في الاصطلاح تطلق على معانٍ‏,‏ أشهرها وأهمها‏:‏ استدامة ملك النّكاح وعودة الزّوجة المطلّقة للعصمة من غير تجديد عقدٍ‏,‏ أو ردّ المرأة إلى النّكاح من طلاقٍ غير بائنٍ في العدّة‏,‏ ومنها‏:‏ معاودة النّظر في الأمر‏,‏ ومنها‏:‏ مراجعة المفلس‏.‏

الحكم التّكليفي

يختلف الحكم التّكليفي للمراجعة باختلاف متعلّقها‏:‏

مراجعة الزّوجة المطلّقة

2 - الأصل في مراجعة الزّوجة المطلّقة طلاقاً رجعياً ما دامت في العدّة أنّها مباحة‏,‏ وهي حق للزّوج لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً‏}‏‏.‏

وتكون المراجعة واجبةً عند الحنفيّة والمالكيّة إذا طلّق الرّجل امرأته طلقةً واحدةً في حالة حيضٍ‏.‏

وتسن عند الشّافعيّة والحنابلة في هذه الحالة‏.‏

وللتّفصيل يراجع مصطلح‏:‏ ‏(‏رجعة ف 4 وما بعدها‏)‏‏.‏

المراجعة بمعنى معاودة النّظر في الأمر

3 - جاء في حديث فرض الصّلاة ليلة الإسراء والمعراج قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ «ففرض اللّه على أمّتي خمسين صلاةً فراجعت بذلك حتّى مررت على موسى‏,‏ فقال‏:‏ ما فرض اللّه لك على أمّتك ‏؟‏ قلت‏:‏ فرض خمسين صلاةً‏,‏ قال‏:‏ فارجع إلى ربّك فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك‏,‏ فراجعني فوضع شطرها‏,‏ فرجعت إلى موسى قلت‏:‏ وضع شطرها‏,‏ فقال‏:‏ راجع ربّك فإنّ أمّتك لا تطيق‏,‏ فراجعت فوضع شطرها»‏,‏ قال ابن حجرٍ في شرحه للحديث‏:‏ ففي المراجعة الأولى وضع خمساً وعشرين‏,‏ ثمّ قال‏:‏ ودلّت مراجعته صلى الله عليه وسلم لربّه في طلب التّخفيف تلك المرّات كلّها أنّه علم أنّ الأمر في كلّ مرّةٍ لم يكن على سبيل الإلزام بخلاف المرّة الأخيرة ففيها ما يشعر بذلك لقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ‏}‏‏.‏

مراجعة المفلس

4 - قال الشّرقاوي‏:‏ إن أقرّ المفلس بعين أو دين جنايةٍ قُبِل مطلقاً‏,‏ أو بدين معاملةٍ فإن أسند وجوبه لما قَبل الحجر قُبِل أيضاً‏,‏ أو لما بعده وقيّده بمعاملة كما هو فرض المسألة لم يقُبل في حقّ الغرماء‏,‏ أو لم يقيّده بمعاملة ولا غيرها روجع‏,‏ وإن أطلق الوجوب فلم يقيّده بمعاملة ولا جنايةٍ ولا بما قبل الحجر ولا بما بعده روجع أيضاً‏,‏ فإن تعذّرت مراجعته لم يقُبل‏.‏

مَرارَة

التّعريف

1 - للمرارة في اللغة إطلاقات منها‏:‏ أنّها كيس لاصق بالكبد تختزن فيه الصّفراء‏,‏ وقد تكون لكلّ ذي روحٍ إلا النّعام والإبل‏.‏

أو هي‏:‏ المائع الأصفر المر المختزن في الكيس اللاصق بالكبد‏,‏ وهي تساعد على هضم الموادّ الدهنيّة‏.‏

وتجمع المرارة على مرائر‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لكلمة مرارةٍ عن هذين الإطلاقين‏.‏

الحكم الإجمالي

1 - طهارة المرارة وأكلها‏:‏

2 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ مرارة كلّ حيوانٍ كبوله‏,‏ فإن كان بوله نجساً مغلّظاً أو مخفّفاً فهي كذلك خلافاً ووفاقاً‏,‏ ومن فروعه ما ذكروا‏:‏ لو أدخل في أصبعه مرارة مأكول اللّحم يكره عند أبي حنيفة لأنّه لا يبيح التّداوي ببوله‏,‏ ولا يكره عند أبي يوسف لأنّه يبيحه‏,‏ وبه أخذ أبو اللّيث للحاجة وعليه الفتوى في المذهب الحنفيّ‏.‏

وكذلك قياس قول محمّدٍ عدم الكراهة مطلقاً لطهارة بول مأكول اللّحم عنده‏.‏

وقال المالكيّة بطهارة مرارة الحيوان المذكّى مطلقاً لأنّها من أجزاء بدن الحيوان‏.‏

وفرّق الشّافعيّة بين الجلدة‏,‏ والمائع الأصفر فقالوا‏:‏ بطهارة الجلدة‏,‏ لأنّها جزء الحيوان المذكّى‏,‏ ونجاسة المائع الأصفر لأنّه ليس جزأه‏.‏

وأمّا حكم أكل المرارة فقد سبق الكلام عليه في مصطلح‏:‏ ‏(‏أطعمة ف 76‏,‏ 77‏,‏ 78‏)‏‏.‏

2 - المسح على ظفرٍ عليه مرارة‏:‏

3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز المسح على ظفرٍ عليه مرارة إن ضرّ نزعها‏,‏ أو تعذّر قلعها للضّرورة‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏جبيرة ف 4‏,‏ مسح‏)‏‏.‏

مُراعَاة الخِلاف

التّعريف

1 – المراعاة في اللغة مصدر راعاه‏:‏ إذا لاحظه وراقبه‏,‏ وراعيت الأمر‏:‏ نظرت في عاقبته‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معناه اللغويّ‏.‏

والخلاف في اللغة‏:‏ المضادّة‏.‏

والخلاف في الاصطلاح‏:‏ منازعة تجري بين المتعارضين لتحقيق حقٍّ أو إبطال باطلٍ‏.‏

ومراعاة الخلاف عند الفقهاء عبارة عن إعمال دليلٍ في لازم مدلول الّذي أعمل في نقيضه دليل آخر‏.‏

وقال أبو العبّاس القبّاب‏:‏ حقيقة مراعاة الخلاف هو إعطاء كلّ واحدٍ من الدّليلين حكمه‏.‏ وكثيراً ما يعبّر الفقهاء عن مراعاة الخلاف بالخروج من الخلاف‏.‏

الحكم التّكليفي

2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب مراعاة الخلاف في الجملة باجتناب ما اختلف في تحريمه وفعل ما اختلف في وجوبه‏.‏

ولبعض الفقهاء في المسألة تفصيل نذكره فيما يلي‏:‏

قال أبو العبّاس القبّاب المالكي‏:‏ اعلم أنّ مراعاة الخلاف من محاسن هذا المذهب‏,‏ وحقيقة مراعاة الخلاف‏,‏ هو إعطاء كلّ واحدٍ من الدّليلين حكمه‏.‏

وبسطه‏:‏ أنّ الأدلّة الشّرعيّة منها ما تتبيّن قوّته تبيناً يجزم النّاظر فيه بصحّة أحد الدّليلين والعمل بإحدى الأمارتين فهاهنا لا وجه لمراعاة الخلاف ولا معنى له‏,‏ ومن الأدلّة ما يقوى فيها أحد الدّليلين وتترجّح فيها إحدى الأمارتين قوّةً ما ورجحاناً لا ينقطع معه تردد النّفس وتشوفها إلى مقتضى الدّليل الآخر فهاهنا تحسن مراعاة الخلاف‏,‏ ويعمل ابتداءً على الدّليل الأرجح‏,‏ لمقتضى الرجحان في غلبة ظنّه‏,‏ فإذا وقع عقد أو عبادة على مقتضى الدّليل الآخر لم يفسخ العقد‏,‏ ولم تبطل العبادة‏,‏ لوقوع ذلك على موافقة دليلٍ له في النّفس اعتبار‏.‏

وليس إسقاطه بالّذي ينشرح له الصّدر‏,‏ فهذا معنى قولنا‏:‏ إعطاء كلّ واحدٍ من الدّليلين حكمه‏,‏ فيقول ابتداءً بالدّليل الّذي يراه أرجح‏,‏ ثمّ إذا وقع العمل على مقتضى الدّليل الآخر راعى ما لهذا الدّليل من القوّة الّتي لم يسقط اعتبارها في نظره جملةً‏,‏ فهو توسط بين موجب الدّليلين‏.‏

ونقل الزّركشي عن أبي محمّدٍ بن عبد السّلام الشّافعيّ أنّه قال‏:‏ الخلاف أقسام‏:‏

الأوّل‏:‏ أن يكون في التّحليل والتّحريم فالخروج من الخلاف بالاجتناب أفضل‏.‏

الثّاني‏:‏ أن يكون الخلاف في الاستحباب والإيجاب‏,‏ فالفعل أفضل‏.‏

الثّالث‏:‏ أن يكون الخلاف في الشّرعيّة‏,‏ كقراءة البسملة في الفاتحة فإنّها مكروهة عند مالكٍ واجبة عند الشّافعيّ وكذلك صلاة الكسوف على الهيئة المنقولة في الحديث فإنّها سنّة عند الشّافعيّ وأنكرها أبو حنيفة فالفعل أفضل‏.‏

والضّابط أنّ مأخذ الخلاف‏,‏ إن كان في غاية الضّعف فلا نظر إليه‏,‏ ولا سيّما إذا كان ممّا ينقض الحكم بمثله‏,‏ وإن تقاربت الأدلّة بحيث لا يبعد قول المخالف كلّ البعد فهذا ممّا يستحب الخروج منه حذراً من كون الصّواب مع الخصم‏.‏

وقال السيوطيّ‏:‏ شكّك بعض المحقّقين على قولنا بأفضليّة الخروج من الخلاف فقالوا‏:‏ الأولويّة والأفضليّة إنّما تكون حيث سنّة ثابتة‏,‏ واذا اختلفت الأمّة على قولين‏:‏ قول بالحلّ‏,‏ وقول بالتّحريم واحتاط المستبرئُ لدينه وجرى على التّرك حذراً من ورطات الحرمة لا يكون فعله ذلك سنّةً‏,‏ لأنّ القول بأنّ هذا الفعل يتعلّق به الثّواب من غير عقابٍ على التّرك لم يقل به أحد‏,‏ والأئمّة كما ترى قائل بالإباحة‏,‏ وقائل بالتّحريم فمن أين الأفضليّة ‏؟‏ وأجاب ابن السبكيّ‏:‏ إنّ أفضليّة الخروج من الخلاف ليست لثبوت سنّةٍ خاصّةٍ فيه‏,‏ بل لعموم الاحتياط والاستبراء للدّين‏,‏ وهو مطلوب شرعاً‏,‏ فكان القول بأنّ الخروج من الخلاف أفضل‏,‏ ثابتاً من حيث العموم واعتماده من الورع المطلوب شرعاً‏.‏

شروط مراعاة الخلاف

3 - صرّح الحنفيّة بأنّ مراتب ندب مراعاة الخلاف تختلف بحسب قوّة دليل المخالف وضعفه‏,‏ وقالوا‏:‏ يندب الخروج من الخلاف‏,‏ لكن بشرط عدم لزوم ارتكاب مكروه مذهبه‏,‏ قال ابن عابدين في تعليقه على هذا الشّرط‏:‏ بقي‏:‏ هل المراد بالكراهة هنا ما يعم التّنزيهيّة ‏؟‏ توقّف فيه الطّحطاوي، والظّاهر‏:‏ نعم‏,‏ كالتّغليس في صلاة الفجر‏,‏ فإنّه سنّة عند الشّافعيّ مع أنّ الأفضل عندنا الإسفار فلا يندب مراعاة الخلاف فيه‏,‏ وكصوم يوم الشّكّ فإنّه الأفضل عندنا‏,‏ وعند الشّافعيّ حرام‏,‏ ولم أر من قال‏:‏ يندب عدم صومه مراعاةً للخلاف‏,‏ وكالاعتماد وجلسة الاستراحة‏,‏ السنّة عندنا تركهما‏,‏ ولو فعلهما لا بأس‏,‏ فيكره فعلهما تنزيهاً مع أنّهما سنّتان عند الشّافعيّ‏.‏

وشروط مراعاة الخلاف عند الشّافعيّة - كما ذكرها الزّركشي - هي‏:‏

أ - أن يكون مأخذ المخالف قوياً‏,‏ فإن كان واهياً لم يراع‏.‏

ب - أن لا تؤدّي مراعاة الخلاف إلى خرق الإجماع كما نقل عن ابن سريجٍ أنّه كان يغسل أذنيه مع الوجه‏,‏ ويمسحهما مع الرّأس‏,‏ ويفردهما بالغسل مراعاةً لمن قال‏:‏ إنّهما من الوجه أو الرّأس أو عضوان مستقلان‏,‏ فوقع في خلاف الإجماع‏,‏ إذ لم يقل أحد بالجمع‏.‏ ج - أن يكون الجمع بين المذاهب ممكناً‏,‏ فإن لم يكن كذلك فلا يترك الرّاجح عند معتقده لمراعاة المرجوح‏,‏ لأنّ ذلك عدول عمّا وجب عليه من اتّباع ما غلب على ظنّه وهو لا يجوز قطعاً‏,‏ ومثاله الرّواية عن أبي حنيفة في اشتراط المصر الجامع في انعقاد الجمعة‏,‏ لا يمكن مراعاته عند من يقول إنّ أهل القرى إذا بلغوا العدد الّذي ينعقد به الجمعة لزمتهم ولا يجزيهم الظهر‏,‏ فلا يمكن الجمع بين القولين‏.‏

ومثلها أيضاً قول أبي حنيفة‏:‏ إنّ أوّل وقت العصر مصير ظلّ الشّيء مثليه‏,‏ وقول الإصطخريّ من أصحابنا‏:‏ هذا آخر وقت العصر مطلقاً ويصير بعده قضاءً وإن كان هذا وجهًا ضعيفاً غير أنّه لا يمكن الخروج من خلافهما جميعاً‏.‏

وكذلك الصبح فإنّ الإصطخريّ يخرج عنده وقت الجواز بالإسفار‏,‏ وذلك الوقت عند أبي حنيفة هو الأفضل‏.‏

وكذلك يضعف الخروج من الخلاف إذا أدّى إلى المنع من العبادة لقول المخالف بالكراهة‏,‏ أو المنع من العبادة لقول المخالف بالكراهة أو المنع، كالمشهور من قول مالكٍ‏:‏ إنّ العمرة لا تتكرّر في السّنة‏,‏ وقول أبي حنيفة‏:‏ إنّها تكره للمقيم بمكّة في أشهر الحجّ‏,‏ وليس التّمتع مشروعاً له‏,‏ وربّما قالوا‏:‏ إنّها تحرم‏,‏ فلا ينبغي للشّافعيّ مراعاة ذلك‏,‏ لضعف مأخذ القولين ولما يفوته من كثرة الاعتمار‏,‏ وهو من القربات الفاضلة‏.‏

أمّا إذا لم يكن كذلك فينبغي الخروج من الخلاف لا سيّما إذا كان فيه زيادة تعبدٍ كالمضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة يجب عند الحنفيّة وكذلك الاستنشاق عند الحنابلة في الوضوء‏,‏ والغسل من ولوغ الكلب ثماني مرّاتٍ والغسل من سائر النّجاسات ثلاثاً لخلاف أبي حنيفة وسبعاً لخلاف أحمد والتّسبيح في الركوع والسجود لخلاف أحمد في وجوبها‏,‏ والتّبييت في نيّة صوم النّفل‏,‏ فإنّ مذهب مالكٍ وجوبه‏,‏ وإتيان القارن بطوافين وسعيين مراعاةً لخلاف أبي حنيفة والموالاة بين الطّواف والسّعي لأنّ مالكاً يوجبها‏,‏ وكذلك التّنزه عن بيع العينة ونحوه من العقود المختلف فيها‏,‏ وأصل هذا الاحتياط قول الشّافعيّ في مختصر المزني‏:‏ فأمّا أنا فأحب أن لا أقصر في أقلّ من ثلاثة أيّامٍ احتياطاً على نفسي‏.‏

قال الماورديّ‏:‏ أفتى بما قامت الدّلالة عنده عليه أي من مرحلتين‏,‏ ثمّ احتاط لنفسه اختياراً لها‏,‏ وقال القاضي أبو الطّيّب‏:‏ أراد خلاف أبي حنيفة‏.‏

الخروج من الخلاف بإتيان ما لا يعتقد وجوبه

4 - إذا وقع الخلاف في وجوب شيءٍ‏,‏ فأتى به من لا يعتقد وجوبه احتياطاً‏,‏ كالحنفيّ ينوي في الوضوء ويبسمل في الصّلاة‏,‏ فهل يخرج من الخلاف وتصير العبادة منه صحيحةً بالإجماع ‏؟‏‏.‏

قال الزّركشي نقلاً عن أبي إسحاق الإسفراييني‏:‏ لا يخرج به من الخلاف لأنّه لم يأت به على اعتقاد وجوبه‏,‏ ومن اقتدى به ممّن يخالفه لا تكون صلاته صحيحةً بالإجماع‏.‏

وقال الجمهور‏:‏ بل يخرج لأجل وجود الفعل‏,‏ وعلى هذا فلو كان هناك حنفي هذا حاله وآخر يعتقد وجوبه‏,‏ فالصّلاة خلف الثّاني أفضل‏,‏ لأنّه لا يخرج بالأوّل عن الخلاف بالإجماع‏,‏ فلو قلّد فيه فكذلك للخلاف في امتناع التّقليد‏.‏

مراعاة الخلاف فيما بعد وقوع المختلف فيه

5 - قال الشّاطبي عند الكلام عن النّظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً‏:‏ هذا الأصل ينبني عليه قواعد منها‏:‏ قاعدة مراعاة الخلاف‏,‏ وذلك أنّ الممنوعات في الشّرع إذا وقعت فلا يكون إيقاعها عن المكلّف سبباً في الحيف عليه بزائد عمّا شرع له من الزّواجر أو غيرها كالزّاني إذا حدّ لا يزاد عليه بسبب جنايته لأنّه ظلم له‏,‏ وكونه جانياً لا يجنى عليه زائداً على الحدّ الموازي لجنايته إلى غير ذلك من الأمثلة الدّالّة على منع التّعدّي أخذاً من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ‏}‏ ونحو ذلك وإذا ثبت هذا فمن واقع منهياً عنه فقد يكون فيما يترتّب عليه من الأحكام زائد على ما ينبغي بحكم التّبعيّة لا بحكم الأصالة‏,‏ أو مؤدٍّ إلى أمرٍ أشدّ عليه من مقتضى النّهي فيترك وما فعل من ذلك‏,‏ أو نجيز ما وقع من الفساد على وجهٍ يليق بالعدل‏,‏ نظراً إلى أنّ ذلك الواقع واقع المكلّف فيه دليلاً على الجملة‏,‏ وإن كان مرجوحاً فهو راجح بالنّسبة إلى إبقاء الحالة على ما وقعت عليه‏,‏ لأنّ ذلك أولى من إزالتها مع دخول ضررٍ على الفاعل أشدّ من مقتضى النّهي‏,‏ فيرجع الأمر إلى أنّ النّهي كان دليله أقوى قبل الوقوع‏,‏ ودليل الجواز أقوى بعد الوقوع لما اقترن به من القرائن المرجّحة كما وقع التّنبيه عليه في حديث‏:‏ «أيما امرأةٍ نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل‏,‏ فنكاحها باطل‏,‏ فنكاحها باطل‏,‏ فإن دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها فإن اشتجروا‏,‏ فالسلطان ولي من لا وليّ له»‏.‏

وهذا تصحيح للمنهيّ عنه من وجهٍ‏,‏ ولذلك يقع فيه الميراث ويثبت النّسب للولد‏,‏ وإجراؤهم النّكاح الفاسد مجرى الصّحيح في هذه الأحكام‏,‏ وفي حرمة المصاهرة وغير ذلك دليل على الحكم بصحّته على الجملة وإلا كان في حكم الزّنا وليس في حكمه باتّفاق‏,‏ فالنّكاح المختلف فيه قد يراعى فيه الخلاف فلا تقع فيه الفرقة إذا عثر عليه بعد الدخول مراعاةً لما يقترن بالدخول من الأمور الّتي ترجّح جانب التّصحيح‏.‏

هذا كله نظر إلى ما يئُول إليه ترتب الحكم بالنّقض والإبطال من إفضائه إلى مفسدةٍ توازي مفسدة النّهي أو تزيد‏.‏

مَرافق

انظر‏:‏ ارتفاق‏.‏

مُرافقة

انظر‏:‏ رفقة‏.‏

مُراقَبة

التّعريف

1 - المراقبة في اللغة‏:‏ مصدر راقب‏,‏ ويقال‏:‏ راقبه مراقبةً ورقاباً‏:‏ رقبه‏:‏ أي حرسه ولاحظه‏,‏ ويقال‏:‏ راقب اللّه أو ضميره في عمله أو أمره‏:‏ خافه وخشيه‏,‏ وفلان لا يراقب اللّه في أمره‏:‏ لا ينظر إلى عقابه فيركب رأسه في المعصية‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الحكم الإجمالي

تتعلّق بالمراقبة أحكام منها‏:‏

مراقبة اللّه تعالى

2 - يجب على كلّ مكلّفٍ مراقبة اللّه تعالى في كلّ ما يأتي وما يدع من الأمور‏,‏ لأنّه مسئُول عن ذلك ومحاسب عليه يوم القيامة‏,‏ ولأنّ ما يصدر عنه مسجّل عليه‏,‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إََِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً‏}‏‏.‏ ومراقبة اللّه تعالى أفضل الطّاعات‏,‏ قال ابن عطاءٍ‏:‏ أفضل الطّاعات مراقبة الحقّ على دوام الأوقات‏,‏ وفي حديث جابرٍ رضي الله عنه أنّ جبريل عليه السلام سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أن تعبد اللّه كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» قال الزبيدي قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» إشارة إلى حال المراقبة‏,‏ لأنّ المراقبة علم العبد باطّلاع الرّبّ سبحانه عليه‏,‏ واستدامته لهذا العلم مراقبة لربّه‏,‏ وهذا أصل كلّ خيرٍ‏.‏

دوام المراقبة لتحقق الحرز

3 - قال الشّافعيّة‏:‏ يشترط في المسروق لوجوب القطع في حدّ السّرقة أمور منها‏:‏ أن يكون محرزاً بملاحظة أو حصانة موضعه‏,‏ وشرط الملاحظ قدرته على منع سارقٍ بقوّة أو استغاثةٍ‏,‏ والدّار المنفصلة عن العمارة إن كان بها قوي يقظان حرز مع فتح الباب وإغلاقه‏,‏ وإلا فلا‏,‏ والدّار المتّصلة بالعمران حرز مع إغلاقه ومع حافظٍ ولو نائمٍ‏,‏ ومع فتحه ونومه غير حرزٍ ليلاً وكذا نهاراً في الأصحّ‏,‏ وكذا يقظان في دارٍ تغفّله سارق وسرق فليس بحرز في الأصحّ‏,‏ لتقصيره بإهمال المراقبة مع فتح الباب‏,‏ والثّاني مقابل الأصحّ‏:‏ أنّها حرز لعسر المراقبة دائماً‏.‏

وأورد الفقهاء الآخرون الحكم‏,‏ ولكنّهم لم يستعملوا لفظ المراقبة‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏سرقة ف 37 - 41‏)‏‏.‏